سلسلة الفوائد اليومية:
240- الحث على تربية الأبناء وتأديبهم, والتحذير من إهمالهم
(**) قَالَ الله تعالى: {يأيها الذين آمنوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}, [التَّحْرِيمِ:6]
(**) وقَالَ تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} إلى قوله: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}, [سورة لُقْمَان: 13- 19]
() عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، . . .
() وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ،
(**) وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه
() وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ-رضي الله عنهما-، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ،
() احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ،
() إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ،
() وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ،
() وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ،
() وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ»
[رواه الترمذي وغيره, وصححه الشيخان]
() وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
() «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ،
() وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ
() وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»
[رواه أبو داود وغيره, وصححه الشيخ الألباني]
() قال الإمام ابن عبد البر القرطبي في كتابه: (الاستذكار), (2/ 90):
() قول الله عز وجل: {يأيها الذين ءامنوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}
(**) قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ: أَدِّبُوهُمْ وَعَلِّمُوهُمْ. اهـ
() قال العلامة السعدي-رحمه الله- في كتابه (بهجة قلوب الأبرار), (ص: 154):
() أولى الناس ببرِّك، وأحقهم بمعروفك: أولادُك؛
() فإنهم أمانات جعلهم الله عندك، ووصاك بتربيتهم تربية صالحة لأبدانهم وقلوبهم،
() وكل ما فعلته معهم من هذه الأمور، دقيقها وجليلها، فإنه من أداء الواجب عليك، ومن أفضل ما يقربك إلى الله، فاجتهد في ذلك، واحتسبه عند الله،
() فكما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم، فأنت قائم بالحق مأجور. فكذلك – بل أعظم من ذلك – إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة، والمعارف الصادقة، والتوجيه للأخلاق الحميدة، والتحذير من ضدها.
() . . . فالآداب الحسنة خير للأولاد حالاً ومآلاً من إعطائهم الذهب والفضة، وأنواع المتاع الدنيوي
() لأن بالآداب الحسنة، والأخلاق الجميلة، يرتفعون،
() وبها يسعدون،
() وبها يؤدون ما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد،
() وبها يجتنبون أنواع المضار، وبها يتم برهم لوالديهم.
() أما إهمال الأولاد: فضرره كبير، وخطره خطير.
() أرأيت لو كان لك بستان فَنمَّيته، حتى استتمت أشجاره، وأينعت ثماره، وتزخرفت زروعه وأزهاره. ثم أهملته فلم تحفظه، ولم تَسقِه ولم تُنَقِّه من الآفات، وتعده للنموِّ في كل الأوقات، أليس هذا من أعظم الجهل والحمق؟
(**) فكيف تهمل أولادك الذين هم فِلذة كبدك، وثمرة فؤادك، ونسخة روحك، والقائمون مقامك حياً وميتاً، الذين بسعادتهم تتم سعادتك، وبفلاحهم ونجاحهم تدرَك به خيراً كثيراً, {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [البقرة:269]. اهـ
() وقال ابن القيّم -رحمه الله- في كتابه: (تحفة المودود بأحكام المولود), (ص: 240):
() وَمِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ الطِّفْل غَايَة الِاحْتِيَاج الاعتناء بِأَمْر خُلُقه؛
() فَإِنَّهُ ينشأ على مَا عوده المربي فِي صغره من حرد وَغَضب ولجاج وعجلة وخفة مَعَ هَوَاهُ وطيش وحدة وجشع.
() فيصعب عَلَيْهِ فِي كبره تلافي ذَلِك,
() وَتصير هَذِه الْأَخْلَاق صِفَات وهيئات راسخة لَهُ فَلَو تحرز مِنْهَا غَايَة التَّحَرُّز فضحته وَلَا بُد يَوْمًا مَا.
() وَلِهَذَا تَجِد أَكثر النَّاس منحرفة أَخْلَاقهم وَذَلِكَ من قبل التربية الَّتِي نَشأ عَلَيْهَا.
() وَكَذَلِكَ يجب أَن يتَجَنَّب الصَّبِي إِذا عقل مجَالِس اللَّهْو وَالْبَاطِل والغناء وَسَمَاع الْفُحْش والبدع ومنطق السوء؛
() فَإِنَّهُ إِذا علق بسمعه عسر عَلَيْهِ مُفَارقَته فِي الْكبر وَعز على وليه استنقاذه مِنْهُ فتغيير العوائد من أصعب الْأُمُور يحْتَاج صَاحبه إِلَى استجداد طبيعة ثَانِيَة وَالْخُرُوج عَن حكم الطبيعة عسر جدا.
() . . . وَكم مِمَّن أَشْقَى وَلَده وفلذة كبده فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بإهماله وَترك تأديبه وإعانته لَهُ على شهواته وَيَزْعُم أَنه يُكرمهُ وَقد أهانه
() وَأَنه يرحمه وَقد ظلمه وَحرمه
() ففاته انتفاعه بولده وفوت عَلَيْهِ حَظه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
() وَإِذا اعْتبرت الْفساد فِي الْأَوْلَاد رَأَيْت عامته من قبل الْآبَاء.الخ).اهـ
(**) قال الشاعر:
لَيْسَ الْيَتِيمُ الَّذِي قَدْ مَاتَ وَالِدُهُ *** إنَّ الْيَتِيمَ يَتِيمُ الْعِلْمِ وَالْأَدَبِ
(**) وقال آخر:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه
(**) وقال آخر:
يا حلة نسجت بالدر والذهب *** إلا وأحسن منها العلم والأدب
علم بنيك صغارا قبل كبرتهم *** فليس ينفع بعد الكبرة الأدب
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت *** ولن تلين إذا قَوَّمتَهَا الخَشَبُ
() وقال آخر:
أدب بنيك إذا ما استوجبوا أدبًا *** فالضَّرْبُ أنفع أحيانًا من الضرب
() والضَّرْبُ: -بسكون الراء وتحريكها, والتَّحْرِيكُ أشْهَرُ: العَسَلُ الخالِصُ.
(**) وقال آخر:
لا تحزنن على الصيبان إن ضربوا *** فالضربُ يبرا ويبقى العلمُ والأدب
الضرب ينفعهم والعلم يرفعهم *** لولا المخافة ماقرأوا ولا كتبوا
لولا المعلم كان الناس كلهم *** شبه البهائم لا علم ولا أَدَبُ
(**) وقال آخر:
عَلِّمْ بُنَيَّكَ إِنْ أردتَ صلاحَهُ *** لا خير في ولد إذا لم تَضْربِ
أو ما ترى الاقلام حين قصامها *** إن لم تقط رؤوسها لم تكتب؟
(**) وقال آخر:
منن الاله على العباد كثيرة *** وأجلهن نجابة الأولاد
فضع العصا أدبا لهم كي يسلكوا *** سبل الرشاد ومنهج الزهاد
(**) وقال آخر- وهو العلامة البيحاني, في كتابه: [رباعيات البيحاني: ص: ] :
عَلِّمْ بَنِيْكَ ولا تدعهم *** كالبهائم والوحوش
واصبر على تعب البنين *** واظهر الوجه البشوش
واضحك لهم إن أحسنوا *** واغضب لبعثرة القروش
وإذا الزمان عدا عليك *** فإنهم نعم الجيوش
(**) من المراجع:
(**) وكتاب (العين), (7/ 32)
لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (المتوفى: 170هـ)
(**) وكتاب (تفسير الطبري), (23/ 104)
لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري (المتوفى: 310هـ)
(**) وكتاب (الاستذكار), (2/ 90)
لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي (المتوفى: 463هـ)
(**) وكتاب (تفسير البغوي), (8/ 169)
لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (المتوفى: 510هـ)
(**) وكتاب (تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر), (ص: 40)
أبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي (المتوفى: 597هـ)
(**) وكتاب (الآداب الشرعية والمنح المرعية), (1/ 224)
لأبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي (المتوفى: 763هـ)
(**) وكتاب (القاموس المحيط), (ص: 107)
لمجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادى (المتوفى: 817هـ)
(**) وكتاب (علو الهمة), (ص: 366)
لمحمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم
(**) والله الموفق.
(**) كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
(**) الأربعاء 19 / 7 / 1442 هـ..
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
انقر هنا: https://binthabt.al3ilm.net/11613
==============