سلسة الفوائد النحوية:
50- ذكر بعض القصص المشهورة التي كانت سببا في وضع علم النحو
(**) ذكر النحويون في سبب وضع النحو قصصا كثيرة, نذكر بعضا منها.
() (القصة الأولى)
() ذكر أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم الْأَنْبَارِي فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن أبي مليكَة–رحمه الله- قَالَ:
(**) قدم أَعْرَابِي فِي زمَان عمر, فَقَالَ: من يُقْرِئُنِي مِمَّا انْزِلْ الله على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟
فَأَقْرَأهُ رجل سُورَة بَرَاءَة فَقَالَ: {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله} بِالْجَرِّ.
فَقَالَ الْأَعرَابِي: أَو قد برىء الله من رَسُوله! إِن يكن الله قد برىء من رَسُوله فَأَنا أَبْرَأ مِنْهُ, فَبلغ عمر مقَالَة الْأَعرَابِي, فَدَعَاهُ.
فَقَالَ: يَا أَعْرَابِي أَتَبرأ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟.
قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن, فَسَأَلت من يُقْرِئُنِي,
فأقرأني هَذَا سُورَة بَرَاءَة فَقَالَ: {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله} فَقلت: أَو قد برىء الله من رَسُوله! إِن يكن الله قد برىء من رَسُوله فَأَنا أَبْرَأ مِنْهُ.
فَقَالَ: عمر لَيْسَ هَكَذَا يَا أَعْرَابِي.
قَالَ: فَكيف هِيَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟
فَقَالَ {أَن الله بَرِيء من الْمُشْركين وَرَسُوله}
فَقَالَ الْأَعرَابِي: وَأَنا وَالله أَبْرَأ مِمَّا برىء الله وَرَسُوله مِنْهُ.
فَأمر عمر بن الْخطاب أَلا يقرىء الْقُرْآن الا عَالم باللغة.
وَأمر أَبَا الْأسود فَوضع النَّحْو.
أخرجه الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر فِي تَارِيخ دمشق.
() (القصة الثانية)
() ذكر أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الزجاجي النَّحْوِيّ فِي أَمَالِيهِ:
أن أَبَا الْأسوَد الدؤَلِي –رحمه الله- قَالَ: دخلت على أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب -رَضِي الله عَنهُ- فرأيته مطرقا متفكرا فَقلت: فيمَ تفكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعت ببلدكم هَذَا لحنا, فَأَرَدْت أَن أصنع كتابا فِي أصُول الْعَرَبيَّة.
فَقلت: إِن فعلت هَذَا أَحْيَيْتَنَا وَبقيت فِينَا هَذِه اللُّغَة.
ثمَّ أَتَيْته بعد ثَلَاث فَألْقى إِلَيّ صحيفَة فِيهَا (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم, الْكَلَام كُله اسْم وَفعل وحرف, فالاسم: مَا أنبأ عَن الْمُسَمّى, وَالْفِعْل: مَا أنبأ عَن حَرَكَة الْمُسَمّى, والحرف: مَا أنبأ عَن معنى لَيْسَ باسم وَلَا فعل.
ثمَّ قَالَ لي: تتبعه وزد فِيهِ مَا وَقع لَك, وَاعْلَم يَا أَبَا الْأسود أَن الْأَسْمَاء ثَلَاثَة: ظَاهر ومضمر وَشَيْء لَيْسَ بِظَاهِر وَلَا مُضْمر, وَإِنَّمَا تتفاضل الْعلمَاء فِي معرفَة مَا لَيْسَ بِظَاهِر وَلَا مُضْمر.
قَالَ أَبُو الْأسود: فَجمعت مِنْهُ أَشْيَاء وعرضتها عَلَيْهِ, فَكَانَ من ذَلِك حُرُوف النصب فَذكرت مِنْهَا (إِن وَأَن وليت وَلَعَلَّ وَكَأن) وَلم أذكر (لَكِن).
فَقَالَ لي: لم تركتهَا؟ فَقلت: لم أحسبها مِنْهَا, فَقَالَ: بل هِيَ مِنْهَا, فزدها فِيهَا.
() (القصة الثالثة)
() (أنّ ابنَةَ أبي الْأسود الدؤَلِي رَحمه الله قالت له -في يوم شديد الحر متعجبة-: يا أبتِ (ما أشدُّ الحرِّ؟) بصيغة الاستفهام,
فقال لها: إذا كانت الصَّقْعاءُ مِن فَوقِكِ، والرَّمْضاءُ من تحتِكِ.
قالت: إنما أردت أن الحر شديد، فقال: فقولي: (إذاً ما أشدَ الحر).
(**) و(الصقعاء): الشمس.
() وذكر هذه القصة أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ رَحمَه الله فِي كتاب الأغاني عَن يحيى بن يعمر اللَّيْثِيّ بلفظ آخر, وهو:
أَن أبا الْأسود الدؤَلِي رَحمه الله دخل إِلَى ابْنَته بِالْبَصْرَةِ.
فَقَالَت لَهُ: يَا أَبَت مَا أَشد الْحر؟ رفعت (أَشد), فظنها تسأله وتستفهم مِنْهُ, أَي: زمَان الْحر أَشد؟
فَقَالَ لَهَا: شهر ناجر, يُرِيد شهر صفر, الْجَاهِلِيَّة كَانَت تسمي شهور السّنة بِهَذِهِ الْأَسْمَاء.
فَقَالَت: يَا أَبَت إِنَّمَا أَخْبَرتك وَلم أَسأَلك.
فَأتى أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ: ذهبت لُغَة الْعَرَب لما خالطت الْعَجم, وأوشك إِن تطاول عَلَيْهَا زمَان أَن تضمحل.
فَقَالَ لَهُ: وَمَا ذَلِك؟ فَأخْبرهُ خبر ابْنَته, فَأمره فَاشْترى صحفا بدرهم, وأملى عَلَيْهِ: الْكَلَام كُله لَا يخرج عَن اسْم وَفعل وحرف جَاءَ لِمَعْنى,
() وَهَذَا القَوْل أول كتاب سِيبَوَيْهٍ,
(**) ثمَّ رسم أصُول النَّحْو كلهَا فنقلها النحويون وفرعوها.
(**) قَالَ أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ رَحمَه الله: هَذَا حفظته عَن أبي جَعْفَر وَأَنا حَدِيث السن, فكتبته من حفظي, وَاللَّفْظ يزِيد وَينْقص, وَهَذَا مَعْنَاهُ.
() (القصة الرابعة)
() ذكر أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ رَحمَه الله عَن عَاصِم بن أبي النجُود رَحمَه الله قَالَ: أول من وضع الْعَرَبيَّة هُوَ الْأسود الدؤَلِي, جَاءَ إِلَى زِيَاد بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ لَهُ: أصلح الله الْأَمِير, إِنِّي أرى الْعَرَب قد خالطت هَذِه الْأَعَاجِم, وتغيرت ألسنتهم, أفتأذن لي أَن أَضَع لَهُم علما يُقِيمُونَ بِهِ كَلَامهم؟
قَالَ: لَا, قَالَ: ثمَّ جَاءَ زيادا رجل فَقَالَ: مَاتَ أَبَانَا وَخلف بنُون,
فَقَالَ زِيَاد: مَاتَ أَبَانَا وَخلف بنُون!
ردوا إِلَيّ أَبَا الْأسود الدؤَلِي, فَرد إِلَيْهِ, فَقَالَ: ضع للنَّاس مَا نهيتك عَنهُ, فَوضع لَهُم النَّحْو.
أخرجه ابْن عَسَاكِر رَحمَه الله.
() (القصة الخامسة)
() قَالَ ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه:
وَيُقَال: إِن ابْنَة أبي الأسود قَالَت لَهُ يَوْمًا: يَا أَبَت, (ما أَحَسْنُ السَّمَاءِ) على الاستفهام؟ فَقَالَ: أيْ بُنَيَّةُ نُجُومُها,
قَالَت: إِنِّي لم أرد أَي شَيْء مِنْهَا أحسن, إِنَّمَا تعجبت من حسنها.
قَالَ: إِذن فَقولِي: (ما أَحْسَنَ السَّمَاءَ) وافتحي فاك. فَحِينَئِذٍ وضع كتابا.
من المراجع:
(**) (أخبار النحويين البصريين)
(*) لأبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي، (المتوفى: 368هـ)
(**) (تاريخ العلماء النحويين) (ص: 168)
(*) لأبي المحاسن المفضل بن محمد التنوخي (المتوفى: 442هـ)
(**) (إنباه الرواة على أنباه النحاة)
(*) لأبي الحسن علي بن يوسف القفطي (المتوفى: 646هـ)
(**) (سبب وضع علم العربية).
(*) لعبد الرحمن بن أبي بكر، السيوطي (المتوفى: 911هـ)
(**) حاشية الخضري على ابن عقيل (1/ 25)
(**) والله الموفق.
(**) كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
(**) الخميس 25 / 3 / 1442 هـ.
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :