سلسة الفوائد النحوية:
8- ذكر بعض الفوائد في البسملة (أ)
(**) الكلام على البسملة طويل, نذكر منه ما تيسر في هذه النقاط
التالية:
(**) (الأولى): البسملة هي قول القائل: (بسم الله الرحمن الرحيم).
(**) (الثانية): يقال لمن قال: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ): مبسمل.
(**) وقد ورد ذلك في الشعر العربي, قال عمر بن أبي ربيعة:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها … فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل
(**) ويسمى هذا اللفظ -أعني (البسملة, أو لفظ مبسمل)- في اللغة العربية (نحتا).
(**) والنحت: أن تختصرَ من كلمتين فأكثر كلمةً واحدة.
(**) ومثل البسملة في ذلك ألفاظ كثيرة منها:(الحمدلة, والهيللة, والحوقلة, والسبحلة), اختصاراً لـ: (الحمدُ للَّه), و(لا إله إلا الله), و(لاَ حوْل ولا قُوَّةَ إلاَّ باللَّه), و(سبحان الله).
(**) ولا يشترط في النحت حفظ الكلمة الأولى بتمامها بالاستقراء خلافاً
لبعضهم، ولا الأخذ من كل الكلمات، ولا موافقة الحركات، ويراعى في ترتيب الحروف ترتيب ورودها في الجملة المختصرة.
(**) (الثالثة): شرح كلمات البسملة:
(**) (الاسم): لفظ جُعل علامة على مُسَمَّى يعرف به ويتميز عن غيره.
() ولفظ الجلالة (الله):اسم علم على ذات الرب تبارك وتعالى يُعرف به.
() ولم يتسم به غير الله تعالى، قال تعالى: {هل تعلم له سمياً}
أي: هل تعلم أحداً تسمى ( الله ) غير الله.
(**) وهو الاسم الذي كل الأسماء راجعة إليه, وتابعة له ,
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}
() أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ :(الرَّحْمَنُ) مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَ(الرَّحِيمُ) مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ.
() وَلَا تَقُولُ :(اللَّهُ) مِنْ أَسْمَاءِ الرَّحْمَنِ,
(**) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ” ( خ , م ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(**) وكما قال تعالى : ( هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر … ) إلى اخر السورة فأجرى الأسماء الباقية كلها صفات له .
(**) وهو مشتق – على الصحيح ، فالإله بمعنى المألوه أي: المعبود.
(**) وقد ذكر في القرآن في ألفين وثلثمائة وستين موضعاً, كما ذكره الأشمونى في شرحه على ألفية ابن مالك (1 / 2) .
(**) (الرَّحْمَنِ):اسم من أسماء الله الحسنى , مشتق من الرحمة على جهة الْمُبَالَغَةِ،
(**) وهو مختص بالله ، لا يطلق على غيره.
(**) ومعناه : المتصف بالرحمة الواسعة التي وسعت جميع المخلوقات ؛ لأن وزن ( فعلان ) في اللغة العربية يدل على السعة والامتلاء، كما يقال: ( رجل غضبان ) , إذا امتلأ غضباً .
(**) (الرَّحِيمِ):اسم من أسماء الله الحسنى , مشتق من الرحمة أيضا ،
(**) وهو غير مختص بالله ، بل يطلق على غيره, كما قال تعالى في وصف نبيه عليه الصلاة والسلام : {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
(**) ومعناه: المتصف بالرحمة الخاصة بعباده المؤمنين , كما قال سبحانه وتعالى : {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً}.
(**) قال الشنقيطي رحمه الله في: ( أضواء البيان ) (1/ 5):
(**) قَوْلُهُ تَعَالَى: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
(**) همَا وَصْفَانِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَاسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ،
(**) وَالرَّحْمَنُ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحِيمِ ; لِأَنَّ الرَّحْمَنَ هُوَ ذُو الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ،
(**) وَالرَّحِيمُ ذُو الرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(**) وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.
(**) وَفِي كَلَامِ ابْنِ جَرِيرٍ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذَا.
(**) وَفِي تَفْسِيرِ بَعْضِ السَّلَفِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ،
… الخ). اهـ
(**) (الرابعة):
(**) قال الدرويش في كتاب (إعراب القرآن وبيانه), (1/ 10):
(**) لم يوصف بـ(الرحمن) في العربية بالألف واللام إلا الله تعالى،
(**) وقد نعتت العرب مسيلمة الكذاب به مضافا فقالوا: رحمان اليمامة.
(**) قال شاعر منهم يمدح مسيلمة:
سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا … وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
(**) (الخامسة):
(**) قال الحافظ ابن حجر في كتابه (فتح الباري), (1/ 9):
(**) وَقَدِ اسْتَقَرَّ عَمَلُ الْأَئِمَّةِ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى افْتِتَاحِ كُتُبِ الْعِلْمِ بِالْبَسْمَلَةِ وَكَذَا مُعْظَمُ كُتُبِ الرَّسَائِلِ.
(**) وَاخْتَلَفَ الْقُدَمَاءُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْكِتَابُ كُلُّهُ شِعْرًا فَجَاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مَنْعُ ذَلِكَ
() وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُكْتَبَ فِي الشِّعْرِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
() وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ, وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ.
(**) وَقَالَ الْخَطِيبُ هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ
(**) (السادسة):
(**) قال أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة في كتابه (أدب الكاتب), (ص: 184)
(**) تَكتب ( بسم الله ) – إذا افتتحتَ بها كتاباً أو أبتدأت بها كلاماً – بغير ألف ؛لأنها كثرت في هذه الحال على الألْسِنَةِ في كل كتاب يكتب وعند الفَزَع والجَزَع وعند الخبر يَرِدُ والطعامِ يُؤْكل فحذفت الألف استخفافاً.
(**) فإذا توسَّطَتْ كلاماً أثبتَّ فيها ألفاً نحو ( أبْدَأُ باسم الله ) ( وأختم باسم الله ) وقال الله عز و جل: ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ) و ( فَسَبِّحْ باسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم ) وكذلك كتبت في المصاحف في الحالتين مبتدأة ومتوسطة. اهـ
(**) (السابعة):
(**) تكتب ألف (اسم) إذا كان حرف الجر غير الباء, أو أضيف إلى غير لفظ (الله).
(**) فالأول نحو: ” لاسم الله حلاوة في القلوب ” و ” ليس اسم كاسم الله ”
(**) والثاني نحو: (باسم الخالق وباسم الرحمن وباسم ربك).
(**) (الثامنة): تحذف الألف من لفظ (الرحمن) تخفيفا ؛لكثرة الاستعمال.
(**) ومن المراجع:
(**) كتاب: (أدب الكتاب) لأبي بكر محمد بن يحيى الصولي (المتوفى: 335هـ), (ص: 36)
(**) وكتاب (البرهان في علوم القرآن) لأبي عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي (المتوفى: 794هـ), (1/ 391)
(**) وكتاب (حاشية الخضري على ابن عقيل) لمحمد بن مصطفى الخضري الشافعي (1/ 5)
(**) والله الموفق.
(**) كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
(**) الأربعاء 14 / 1 / 1442 هـ.
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم
آمين وإياكم وفيكم بارك.