سلسة الفوائد النحوية:
6- تعريف اللحن, وذكر بعض الحكايات التي تدل على شناعته
() اللَّحْنُ: فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ عِدَّةٍ.
() منها : اللَّحْنُ الإْعْرَابِي – وهو مقصودنا هنا , وعليه أقتصر – .
(**) وتعريفه : (هو الْخَطَأِ فِي الإْعْرَابِ وَمُخَالَفَة الصَّوَابِ فِيهِ، يُقَال: لَحَنَ الْمُتَكَلِّمُ فِي كَلاَمِهِ، يَلْحَنُ لَحْنًا – بسكون الحاء- : أَخْطَأَ فِي الإِعْرَابِ، وَخَالَفَ وَجْهَ الصَّوَابِ.
(وَرجل لاحِنٌ ولَحَّانٌ ولَحَّانَةٌ ولَحُنَةٌ ) أي: كثير الخطأ.
() قال ابن فارس في كتابه (مقاييس اللغة), (5/ 239)
() (… فَأَمَّا اللَّحْنُ بِسُكُونِ الْحَاءِ فَإِمَالَةُ الْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ الصَّحِيحَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ. يُقَالُ لَحَنَ لَحْنًا …الخ). اهـ
(**) وَفِي اصْطِلاَحِ النَّحْوِيِّينَ هُوَ: الْخَطَأُ فِي إِعْرَابِ الْكَلِمَةِ، أَوْ تَصْحِيح الْمُفْرَدِ.
(**) وانظر كتاب: (الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية) للجوهري (6/ 2193)
وكتاب: (لسان العرب) , لابن منظور(13/ 379)
وكتاب: (المحكم والمحيط الأعظم) , لابن سيدة (3/ 343)
وكتاب: (الموسوعة الفقهية الكويتية), (35/ 214)
() وفي كتاب: (الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب
في كلامها) , لابن فارس (ص: 35):
() وَقَدْ كَانَ الناس قديماً يجتنبون اللحن فيما يكتبونه أَوْ يقرءونه اجتنابَهم بعضَ الذنوب.
() فأما الآن فقد تجوزا, حَتَّى أن المحدّث يحدث فليحن, والفقيه يؤلف فيلحن.
() فإذا نُبها قالا: مَا ندري مَا الإعراب وإنما نحن محدّثون وفقهاء. فهما يسران بما يُساء بِهِ اللبيب.
** ولقد كلمت بعض من يذهبُ بنفسه ويراها من فقه الشافعي بالرتبة العُليا فِي القياس، فقلت لَهُ: مَا حقيقة القياس ومعناه، ومن أي شيء هو? فقال: لَيْسَ عليَّ هَذَا وإنما علي إقامة الدَّليل عَلَى صحته.
فقل الآن في رجل يروم إقامة الدليل على صحة شيء لا يعرف معناه، ولا يدري ما هو. ونعوذ بالله من سوء الاختيار. اهـ
(**) والقصص التي تروى في ذم اللحن وشناعته كثيرة مشهورة, نذكر شيئا منها.
(1) قال القرطبي في تفسيره (1/ 23):
() باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه، وثواب من قرأ القرآن معربا.
() قال أبو بكر الْأَنْبَارِيِّ: جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ من تفضيل إعراب القرآن، والحصن عَلَى تَعْلِيمِهِ، وَذَمِّ اللَّحْنِ وَكَرَاهِيَتِهِ مَا وَجَبَ بِهِ عَلَى قُرَّاءِ الْقُرْآنِ أَنْ يَأْخُذُوا أَنْفُسَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ فِي تَعَلُّمِهِ. . . .
() وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَدِمَ أَعْرَابِيٌّ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَنْ يُقْرِئُنِي مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: فَأَقْرَأَهُ رجل” براءة”، فقال:” أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ”. بِالْجَرِّ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَوَقَدْ بَرِئَ اللَّهُ مِنْ رَسُولِهِ؟ فَإِنْ يَكُنِ اللَّهُ برئ من رسوله فَأَنَا أَبْرَأُ مِنْهُ،
() فَبَلَغَ عُمَرَ مَقَالَةُ الْأَعْرَابِيِّ: فَدَعَاهُ فَقَالَ: يَا أَعْرَابِيُّ أَتَبْرَأُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ يَا أمير المؤمنين، إني قدمت المدينة ولأعلم لِي بِالْقُرْآنِ، فَسَأَلْتُ مَنْ يُقْرِئُنِي، فَأَقْرَأَنِي هَذَا سورة” براءة” فقال:” أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ورسوله”، فقلت أو قد بَرِئَ اللَّهُ مِنْ رَسُولِهِ، إِنْ يَكُنِ اللَّهُ بَرِئَ مِنْ رَسُولِهِ فَأَنَا أَبْرَأُ مِنْهُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ هَكَذَا يَا أَعْرَابِيُّ، قَالَ: فَكَيْفَ هِيَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ” أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ” فقال الأعرابي: وأنا أَبْرَأُ مِمَّا بَرِئَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْهُ،
() فَأَمَرَ عمر ابن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَلَّا يُقْرِئَ النَّاسَ إِلَّا عَالَمٌ بِاللُّغَةِ، وَأَمَرَ أَبَا الْأَسْوَدِ فَوَضَعَ النَّحْوَ.
() وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ قَالَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ: مَثَلُ صَاحِبِ الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ مَثَلُ الْحِمَارِ عَلَيْهِ مِخْلَاةٌ لَا عَلَفَ فِيهَا.
(**) وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: مَنْ طلب الحديث ولم يعلم النَّحْوَ أَوْ قَالَ الْعَرَبِيَّةَ فَهُوَ كَمَثَلِ الْحِمَارِ تُعَلَّقُ عَلَيْهِ مِخْلَاةٌ لَيْسَ فِيهَا شَعِيرٌ. اهـ المراد
(2) وفي كتاب : (كنز الكتاب ومنتخب الأدب), لأبي إسحاق إبراهيم بن أبي الحسن الفهري المعروف بالبونسي (651هـ) (1/ 87)
() قال مسلمة بن عبد الملك: اللحنُ في الكلام أقبحُ من الجُذَري في الوجه.
() وروى الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: أتى عمر رضي الله عنه على قوم يرمون رِشْقاً لهمْ فأساؤوا الرَّمي. فقالوا: يا أمير المؤمنين نحن قومٌ متعلمين، فقال لهم: لإساءَتُكُمُ في لحنكم شرٌّ من إساءتِكمْ في رميكُم أَوْ في رِشْقِكُمْ.
(**) رحم الله امرأ أصلح من لسانه. اهـ
(3) وفي كتاب (إيضاح الوقف والابتداء), لأبي بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، الأنباري (المتوفى: 328هـ) (1/ 25)
(**) حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال: حدثنا سليمان، يعني ابن حرب، قال: حدثنا أبو هلال قال: حدثني رجل من باهلة أن كاتب أبي موسى كتب إلى عمر فكتب: «من أبو موسى»
فكتب إليه عمر: «إذا أتاك كتابي هذا فاجلده سوطًا واعزله عن عملك». اهـ
() وفي كتاب (وفيات الأعيان) (6/ 357) تسمية الكاتب حيث قال:
() واستكتب أبو موسى بعد زياد أبا الحصين ابن أبي الحر العنبري، فكتب إلى عمر رضي الله عنه كتاباً فلحن في حرف منه، فكتب إليه أن قنع كاتبك سوطاً. اهـ
(4) وفي كتاب (أخبار النحويين), لأبي طاهر المقرئ (ص: 45)
(**) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيُّ: دَخَلَ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ رَجُلٌ يَشْكُو صِهْرًا لَهُ فَقَالَ لَهُ إِنَّ خَتَنِي فَعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ من ختنك؟ ((بِالْفَتْح))
فَقَالَ ختنني الْخَتَّانُ الَّذِي يَخْتِنُ النَّاسَ.
فَقَالَ عَبْدُ الَعْزِيزِ لِكَاتِبِهِ: وَيْحَكَ بِمَا أَجَابَنِي؟
فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّكَ لَحَنْتَ, وَهُوَ لَا يَعْرِفُ اللَّحْنَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ لَهُ مَنْ خَتَنُكَ؟ ((بِالضَّمِّ))
فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: أَرَانِي أَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ لَا تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ لَا شَاهَدْتُ النَّاسَ حَتَّى أَعْرِفَ اللَّحْنَ
قَالَ: فَأَقَامَ فِي الْبَيْتِ جُمُعَةً لَا يَظْهَرُ وَمَعَهُ مَنْ يُعَلِّمُهُ الْعَرَبِيَّةَ.
قَالَ: فَصَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ وَهُوَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ.
(**) قَالَ: فَكَانَ يُعْطِي عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَيَحْرِمُ عَلَى اللَّحْنِ, حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ زُوَّارٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ مَكَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ فَجَعَلَ يَقُولُ للرَّجُلِ مِنْهُمْ: مِمَّنْ أَنْتَ فَيَقُولُ: مِنْ بَنِي فُلَانٍ فَيَقُولُ لِلْكَاتِبِ: أَعْطِهِ مِائَتَيْ دِينَارٍ.
حَتَّى جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْت فَقَالَ: مِنْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ.
فَقَالَ: تَجِدُهَا فِي جَائِزَتِكَ, وَقَالَ لِلْكَاتِبِ: أَعْطِهِ مِائَةَ دِينَارٍ. اهـ
(5 و 6 و 7 و 8 و 9)
() وفي كتاب (صبح الأعشى في صناعة الإنشاء), (1/ 206)
() وسمع أعرابيٌّ رجلاً يقول: أشهدُ أنّ محمدا رسولَ اللهِ، بفتح (رسول)؛ فتوهَّمَ أنّه نصبَه على النّعت؛ فقال: يفعلُ ماذا؟.
(**) وقال رجلٌ لآخر: ما شانَكَ؟. بالنّصب، وهو يريد شأنَك، فظنّ أنّه يسألُه عن شَيْنٍ به؛ فقال: عظمٌ في وجهي.
(**) وقال رجلٌ لأعرابيّ: (كيف أهلِك) بكسر اللّام، وهو يريد السّؤال عن أهلِه. فتوهَّمَ أنّه يسألُه عن كيفيّة هلاكِ نفسه؛ فقال: صلْبًا.
() ودخل رجل على زياد بن أبيه فقال: إنّ أبونا مات وإن أخينا وثب على مال أبانا فأكله- فقال زياد: للّذي أضعته من كلامك أضر عليك مما أضعته من مالك.
() وقيل لرجلٍ: من أين أقبلتَ؟. فقال: مِن عندِ أهلُونا. فحسده آخر حين سمعه، وظنّ ذلك فصاحةً؛ فقال: أنا أعلم من أين أخذها، من قوله:
{شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا}؛فأضحكَ كلٌّ منهما من نفسه. اهـ
(10) ومما يحكي أيضا: أن أعمى سمع رجلا يدعو الله فيقول: (يا من يُرى ولا يَرى) بضم – يا- (يرى)الأولى وفتح الثانية, فقال الأعمى: لبيك لبيك.
(**) قائدة: أول لحن سمع في العربية قول بعضهم: (هذه عصاتي)
() وفي كتاب (لسان العرب), (15/ 64)
() وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَوَّلُ لَحْنٍ سُمِعَ بالعِراق هَذِهِ عَصاتي، بِالتَّاءِ. اهـ
() وفي كتاب (تثقيف اللسان وتلقيح الجنان), لأبي حفص عمر بن خلف بن مكي الصقلي النحوي اللغوي (ت 501 هـ) (ص: 77)
() (باب ما غيروه من الأسماء بالزيادة)
() يقولون: عصاتي، وعصاتك.
() والصواب: عصاي، وعصاك، كما قال الله تعالى إخبارا عن موسى عليه السلام: {هي عصاي أتوكأ عليها}.
() وقيل: أول لحن سمع بالبصرة قولهم: عصاتي،
() وبعده قولهم: (لعل له عذر وأنت تلوم) . اهـ
() وانظر كتاب:
() (البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث), لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري (المتوفى: 577هـ)
(**) وكتاب: (مغني اللبيب), لابن هشام (ص: 378)
** والله الموفق.
** كتبها : أبو عبد الله أحمد بن ثابت الوصابي
** الأربعاء 28 / 12/ 1440 هـ.
** من أحب الاطلاع على الفوائد السابقة فمن الموقع الرسمي على الرابط :